في زمن الميكانيك الحقيقي، وفي زمن المحركات الحقيقية حيث كانت السيارات تشبّه بثور هائج لا يمكن السيطرة عليه بسهولة. في .زمن كانت تصدح وترعد به سمفونيات الاسطوانات العشر أو حتى الثمانية من بعدها، تفوق اسم لامع لن يُنسى لأجيال وقرون بسهولة.
سائق غيّر من قوانين اللعبة وقاعدة جمهور الفورمولا 1 التي بقيت لفترة حكراً على فئة خاصة من الناس. انه البارون الأحمر بطل العالم السباعي الأسطورة مايكل شوماخر.
ولكي لا يطول الحديث عن هذا السائق الذي شخصيا كان ملهما لي ليس فقط في الرياضة الميكانيكية بل على صعيد الحياة، دعونا نستعرض لكم قرائنا الأعزاء لمحة عن مسيرته الهائلة.
مايكل شوماخر الماني الجنسية من مواليد 3 يناير 1969، بدأ حياته المهنية في السباقات بعمر مبكر جدا اذ كان ابن الأربعة سنوات يقود سيارات الكارتينغ على الحلبة الخاصة بوالده، حيت تعلم قواعد القيادة والسباقات مع الأبجدية.
وفي عمر الخمسة عشر عاما انتقل الى السباقات الأحترافية للكارتينغ في اوروبا حيث في السنوات التالية فاز بالبطزلة متفوقا على أهم الأسماء حينها مثل زاناردي و اورسيني.
في سنة 1988 انتقل من الكارتينغ الى سباقات فورمولا الخاصة مثل بطولة فورد في المانيا وفي اوروبا حيث تمكن من اقتناص المركز الثاني في الترتيب العام للبطولة وراء ميكا سالو الذي فاز بالبطولة.
وفي نفس العام فاز شومي بتسعة سباقات من اصل عشرة في بطولة “فورمولا باندا الإيطالية”. وانتقل من بعدها لبطولة الفورمولا 3 التي كانت المدخل الحقيقي له الى البطولة العظمى بطولة الفورمولا 1 حيث فاز ببطولة العالم للفورمولا 3 عام 1990.
1991 هو العام الذي قاد خلاله الأسطورة شوماخر لأول مرة في تاريخ الفورمولا 1 كسائق بديل لصالح فريق ايدي جوردان وذلك خلال مجريات جائزة بلجيكا الكبرى التي يعشق شومي القيادة على مساراتها الصعبة والممتعة وشارك يومها بالصدفة حيث ان السائق برتران غاشوالذي كان من المفترض ان يخوض سباق بلجيكا مع أيدي جوردان تعارك مع سائق تاكسي وضربه فصدر بحقه حكم حبس واضطر الى تنفيذ العقوبة خلال السباق فطلب من شوماخر الحلول بدلا منه… وانطلقت مسيرته.
وعلى الرغم من مشاركته في فريق متواضع وعدم معرفته لمسارات الحلبة عندها، خطف الالماني الانظار وحقق المركز السابع في التجارب التأهيلية ولكنه لم يستطع اكمال السباق حيث انسحب من اللفة الاولى بسبب مشكلة في القابض الفاصل الكلاتش.
الأداء الرائع الذي اظهره شوماخر في سباق بلجيكا 1991 جعله محط أنتباه الكثيرين في مجتمع الفورمولا 1 ومنهم فلافيو برياتوري مدير فريق بينيتون حينها، والذي لم ينتظر طوبلا لنهاية الموسم وعرض عليه مباشرة عقد للأنضمام والقيادة لصالح الفريق، فقاد شوماخر الى جانب “نيلسون بيكيه” سائق بينيتون حينها.
ومنذ السباق الأول لشومي مع بينيتون الذي كان على حلبة مونزا أستطاع شوماخرالالماني أن يتفوق على زميله في الفريق. واستمر الحال لنهاية الموسم حيث أظهر الالماني اننا سنشهد ولادة حقبة جديدة من البطولة لا بل من الابداع.
لم ينتظر شومي طويلا ليصعد الى المنصة أو حتي للفوز اذ تمكن في موسم 1992 من الفوز أيضا بجائزة بلجيكا الكبرى والصعود اكثر من مرة على المنصات مثبتا أقدامه بقوة في البطولة ومحرزا المركز الثاني في الترتيب العام خلف بطل العالم حينها نايجل مانسيل مع فريق ويليامس.
وفي نفس العام شهدنا منافسات طاحنة بين الالماني والبرازيلي الراحل ايرتون سينا انتهت بتفوق الالماني حيث حل سينا رابعا في الترتيب العام للبطولة. وفي عام 1993 استمرت مسيرة المنصات مع الالماني وفاز ايضا في البرتغال .
شهد عام 1994 تغييرات جذرية في القوانين حيث تم الغاء عدد كبير من الانظمة المساعدة للسائق كالتحكم بالجر وبثبات السيارات حيث أعطى هذا الأمر أفضلية للسائق الأمهر الأمر الذي سمح للبارون الاحمر من ابراز مواهبه وعلى الرغم من أن التنبؤات كلها كانت تصب في صالح فريق ويليامز المزود بالمحرك الافضل حينها رينو والذي يملك في صفوفه اثنان من ابطال العالم وافضل سائقين حينها سينا وبروست، تمكن الالماني من الفوز بأول ثلاث سباقات على التوالي مقدما نفسه المرشح الابرز للفوز بالبطولة التي شهدت في ذلك العام حوادث مأساوية نذكر منها وفاة رولان راتسنبيرجر والاسطورة البرازيلي ايرتون سينا. وكانت البطولة الأولى لشومي عام 1994 بعد ان تفوق على سائق ويليامس البريطاني دايمون هيل.
في عام 1995 قرر فريق بينيتون استخدام محرك رينو في10 تماما مثل فريق ويليامز حيث تمكن الالماني من الفوز بالبطولة الثانية على التوالي متفوقا مرة اخرى على دايمون هيل على الرغم من العقوبات التي نالها والتي شملت الغاء نقاط الفوز في البرازيل بسبب عدم مطابقة الوقود للقوانين، وفي نفس العام أظهر شومي براعته في القيادة على المسارات الرطبة والزلقة حيث تفوق على الجميع في الامطار على الرغم من قيادته لسيارته المجهزة باطارات للطرقات الناشفة.
في عام 1996 قبل شومي عرض فيراري للانتقال الى صفوفه وكانت فيراري حينها تعاني فعليا، اذ ان اخر انتصار بالبطولة لها حينها كان قبل 17 عاما. ولكن هذا الكلام سيتغير من العام الأول للالماني الذي ورغم عذد كفائة سيارته في ذلك العام فاز بثلاث جوائز كبرى: جائزة اسبانيا الكبرى تحت المطر حيث تفوق على الجميع بلفة كاملة، وطبعا سبا فرانكورشان في بلجيكا وجائزة مونزا الايطالية حيث كانت قاعدته الجماهرية تزداد بقوة.
استمر صيام شومي عن البطولة لثلاث سنوات اعوام اخري 1997، 1998 و1999 ولكن مسيرة المنصات والفوز لم تغب عنه يوما.
حيث تنافس بقوة الى اخر رمق مع سائق ويليامس الكندي جاك فيلنوف حيث استمرت المنافسة الى اللفات الاخيرة من السباق الاخير الذي انتهى بالاصطدام الشهير بين الاثنين والذي كان بنتيجته حرمان شومي من نقاط المركز الثاني في البطولة.
وفي العامين 98 و 99 تنافس شومي مع غريمه المحبب الى قلبه الفنلندي ميكا هاكينن الذي فاز بالبطولتين على متن واحدة من أنجح السيارات التي صممها ادريان نيوي.
وكان شومي المرشح الأبرز لنيل بطولة 1999 ولمن الحادث الشهير الذي تعرض له في سلفرستون بريطانيا والكسر المزدوج في رجليه حرماه من المنافسة على اللقب.
كانت ثمرة 3 سنوات تعاون مايكل شوماخر – الذي ولمن لا يعرفون كان ملما جدا بالامور الميكانيكية وبارعا بتطوير السيارة كبراعته في القيادة – وتقنني فيراري واصرار الفريق على العودة بقوة الى البطولات سيارة فيراري اف 399 والتي تمكن شومي على متنها من تحقيق البطولة حمراء الاولى والثالثة في مسيرته والاغلى على قلبه حيث أسكت جميع من أتهمه انه لن يحمل الرقم واحد ابدا بعد بينيتون وبكى على المنصة مبكيا الكثيرين.
تتالت البطولات والسيارات الناجحة من فيراري 5 أعوام حيث تفوق الالماني على الجميع وعلى نفسه محطما كل الارقام بتاريخ البطولة ومسطرا ارقاما جديدة من الصعب جدا على الاجيال القادمة ان تقترب منها.
عام 2005 عادت رينو بقوة الى البطولة مع الاسباني الونسو الذي فاز ببطولة عام 2005 و 2006 على متن السيارة الناجحة وكانت أجمل منافسات بينه وبين الالماني شوماخر الذي لم تناسبه القوانين الجديدة واطارات بريجيستون التي تفوقت عليها ميشلين بوضوح.
ولعل اكثر ما نذكره في بطولة 2005 هو سباق سان مارينو الذي انطلق الالماني خلاله من المركز 13 وتمكن من الوصول ثانيا خلف الونسو بفارق 0.2 ثاتية.
وخلال عام 2006 ومن على منصة الفوز بالجائزة الايطالية اعلن البارون الاحمر اختتام مسيرة خيالية ستكتب عنها الاجيال القادمة وستعلمها مدارس السباقات الى عقود معلنا اعتزاله القيادة في الفورمولا 1. وطلب منه فريق فيراري عندها العمل لصالحه كمستشار فني وتقني.
يذكر ايضا ان شومي عاد عن اعتزاله ليقود لصالح فريق مرسيدس في بدايته بين عامي 2010 و2012 حيث لم يحقق نتائج على الارض ولكنه كان الابرز في تطوير السيارة التي تسيطر على البطولة في الوقت الحالي وكان باعتراف الجميع واحداُ من اللذين طوروا هذه الاسطورة الحالية.
للذين يتسالون لماذا شوماخر هو الافضل نقول: ان احصينا عدد الانتصارات عبر التاريخ هو الافضل، عدد البطولات هو الأفضل، أفضل لفة، اكثر عدد منصات، الانطلاق من المركز الأول (المركز الثاني)، عدد نقاط المجمعة هذا طبعا ان اجرينا عملية حسابية للقانون الجائر للفيا ونظام النقاط الجديدة الذي كانت تستطيع الاستعاضة عنه باعتماد نظام الأجزاء من الارقام، هذا ان تكلمنا بالارقام.
اذا تكلمنا من ناحية الأختراف: من هو السائق القادر على التفاعل وتطوير سيارته والعمل مباشرة مع الميكانيكين مثله؟ ما هو مستوى الاحتراف لسائق الذي يعلم بخبر وفاة والدته ويكمل السباق وينتصر ليعود ويبكيها؟ من استطاع المساعدة على تطوير المرسيدس عندما كانت تعاني وكانت تفكر بترك البطولة؟ من يستطيع مثله السيطرة على سيارة باطارات جافة وعلى مسار مبلل تماما؟
ولسخرية القدر الظالم: الالماني الان قابع في منزله لا يستطيع حراكا او كلاما بدلا من الاستمتاع بتعاقده، ولماذا؟ بسبب حادث تزلج سخيف. ليس علينا سوى الطلب من الله ان يلطف به وبعيده سليما معافا الى عائلته والى جمهوره.