كتب: المهندس بول جاموس
إذا كان هناك من فريقٍ في بطولة العالم للفورمولا 1 يتجه لموسم 2018 تحت ضغطٍ كبيرٍ فهو من دون أدنى شك فريق السكوديريا فيراري. هذا الضغط الكبير يعود بالدرجة الأولى الى النتائج المُحققة في الموسم المُنصرم حيث برهنت فيراري أنها قادرة على الإطاحة بمرسيدس عن عرش “الهايبرد” الّتي تتزعمه منذ عام 2014. ولكن وبعد القفزة الكبيرة التي حققتها الحظيرة الإيطالية إلا أنها وجدت نفسها بآخر المطاف وهي تخسر كل شيء وبالضربة القاضية من السهام الفضية “مرسيدس” ولويس هاملتون، اللذين استفادا من مشاكل الموثوقية الّتي عصفت بالكتيبة الحمراء، إضافة للهفوات القاتلة من سيباستيان فيتيل التّي ساهمت أيضاً بإرساء معالم الهزيمة.
ومن منظورٍ بسيط، على فيراري المُتعطشة أكثر من أي وقتٍ سابقٍ للفوز بالألقاب الّتي طال انتظارها، والمتمتعة برغبةٍ قوية لهزم السيطرة المطلقة لمرسيدس، أن تحارب بنفس القوة لا بل أكثر مما ظهرت عليه في عام 2017. وبالحديث عن الموسم الماضي، كان أفضل ما قدمته الحظيرة الإيطالية بحقبة المحركات السداسية الأسطوانات الهجينة ولكن ذلك لم يكن كافٍ لزحزحة مرسيدس عن عرشها.
وإذا سألنا أي متابعٍ للبطولة عما ينقص فيراري لكي تطيح بمرسيدس سيجيب بكل تأكيد: فيراري بحاجة إلى سيارة أسرع وأكثر موثوقيةً. الأمر الذي يبدو للبعض واقعي تحقيقه، ولكنه بالوقت ذاته يرى الكثيرون فيه أنه مجرد وهمٍ.
ولكن إن نظرنا بصورة واقعية إلى كل المعطيات المتوفرة بالفترة الشتوية الحالية أكانت من تصريحات “جين هاس” مالك فريق هاس الأميركي “زبون” لمحركات فيراري، أو بما صرح صحافيون مقربون من “مارانيللو” معقل الحصان الجامح، هناك بالتأكيد توقعاتٍ كبيرة بأنّ حلم تحقيق فيراري لبطولةٍ طال انتظارها على وشك أن يصبح حقيقة ملموسة.
وبالعودة إلى مكامن ضعف الحظيرة الإيطالية بالمواسم السابقة، فأنّ إحدى أبرز المشاكل الّتي واجهها الفريق بحقبة “الهايبرد” مُتمثلة بالدرجة الأولى بافتقار وحدة الطاقة للقوة مقارنةً مع مرسيدس. والدليل واضح ولا لُبس فيه، فلو نظرنا إلى حلباتٍ مثل كندا، ايطاليا وبلجيكا على سبيل المثال لا الحصر، ثلاث من أبرز الحلبات المتطلبة من المحركات، لوجدنا أنّ فيراري لم تفز ابدًا على هذا النوع من الحلبات خلال الأعوام الأربعة الماضية. مما لا شك فيه أن فيراري قامت بمجهود جبار على تحديث وحدات الطاقة المنتجة من قبلها، منذ عام 2014، والتطور كبيرًا جدًا على هذا الصعيد، والفجوة أواخر عام 2017 كانت فقط 15 حصاناً مع فريق السهام الفضية وهذا ما يجب البناء عليه لما هو قادم.
نقطة أخرى من نقاط الضعف الّتي استطاعت فيراري التغلب عليها كانت تصميم الهيكل والإرتكازية، بحيث رأينا فيراري السيارة الأسرع على الحلبات المتطلبة لدرجات عاليةٍ من الإرتكازية مثل المجر وموناكو وسنغافورة.
وبحسب ما ذكرته المصادر المشار إليها أعلاه، فأنه من المرجح أن فيراري بطريقها إلى تخطي مشاكل وحدة الطاقة وموثوقيتها في 2018، في أخبارٍ مُبشرةٍ أن وحدة الطاقة المنتجة لهذا الموسم والّتي هي إما متساوية تماماً أو متساوية تقريبًا مع وحدة طاقة مرسيدس.
أولى المؤشرات على هذا التقدم اللافت على صعيد وحدة الطاقة أتت من الصحافي الايطالي والمُقرب من “مارانيللو” ليو تورينيو، في كانون الثاني/يناير الماضي، الذي وبحسب ما يقوله أنّ وحدة طاقة فيراري بمواصفات 2018 لامست عتبة الالف حصان، العتبة الّتي صرحت مرسيدس أنها قد وصلت اليها فعليًا. وكان توريني قد كشف بالسياق ذاته أن وحدة الطاقة الجديدة المقدمة من فيراري قد خضعت أيضاً إلى تقليص إجمالي للوزن، واحدة من نقاط قوة وحدة طاقة مرسيدس، “الوزن الإجمالي الأقل”.
من دون أدنى شك فإنّ هذه التسريبات تعد بالكثير قبيل انطلاق التجارب الشتوية في برشلونة. توريني أشار فقط إلى مكاسب مهمة على صعيد القوة الإجمالية لوحدة الطاقة، ولكنه لم يتطرق إلى مسألة الموثوقية العنصر الاساسي الذي على فيراري أن تجد له حلولٍ جذرية، والّذي سيكون ذات أولوية قصوى عند جميع الفرق في 2018. بحيث بات يتوجب على كل سائق أن يُكمل الـ 21 جائزة كبرى من روزنامة موسم 2018 بثلاث وحدات للطاقة فقط،أي أقل بواحدة مما كان الوضع عليه في العام الماضي. فالصانع الذي سيقدم وحدة طاقة ذات موثوقية ممتازة سيكون أقل عرضة لعقوبات التراجع عند شبكة الإنطلاق، فالموثوقية إذن في 2018 سيكون لها الكلمة الفصل بمجريات المنافسة على الالقاب.
وعلى صعيدٍ متصل، كشف الصحافي الايطالي “فرانكو ناغنس” في مقال له لشبكة موتورسبورت العالمية،أن فيراري نجحت في تحقيق أهدافها لناحية الموثوقية في تجارب المحاكاة على “الديناموميتر” وبهذا التركيز على موثوقية وحدة الطاقة يُرجح فرانكو أن فيراري لم تخاطر بتصاميم جذرية كبيرة بهذه المرحلة على وحدة الطاقة، إنما فقط تصحيح ما يجب تصحيحه من الموسم الماضي مع بعض التعديلات المهمة الّتي تُكسب قوة وأعشار ثانية اضافية.
ما تحدث عنه الصحافي الايطالي أكده بدوره “جين هاس” الذي يتزود فريقه بوحدات الطاقة الأحدث من فيراري مشيرًا أنه واثقٌ ثقة تامة من أن ثلاث وحدات طاقة من فيراري قادرة على إكمال كل جولات موسم 2018، واصفًا موثوقية وحدة الطاقة الجديدة بالممتازة. وأضاف “هاس” أنه يشارك توريني بتصاريحه السابقة المتعلقة باستخراج قوة اكبر من وحدة الطاقة الجديدة، معلنًا أنه بعلاقته الجيدة مع الحظيرة الايطالية تمكن من التأكد من صحة هذه التسريبات.
ويعتقد “هاس” أنّ وحدات الطاقة لموسم 2018 ستكون أقرب من أي وقتٍ سابق من بعضها البعض من ناحية المستوى. على الرغم من الفجوة الكبيرة التي كانت ظاهرة في 2017 والجهود الكبيرة الّتي تبذلها الـ “فيا” لتقريب وحدات الطاقة من بعضها البعض، بعد مرور أربع سنوات على تقديمها.
ومن النقاط المهمة أيضاً والّتي تعمل عليها فيراري، هي مسألة تطوير السيارة خلال الموسم بكامله وجلب تحديثاتٍ تضمن بقائها بصلب المنافسة. وبهذا الصعيد كشف “فرانكو” ايضًا تفاصيل مهمة من قسم تطوير المحركات في فيراري تفيد بأنّ الفريق يعمل على إدخال رأس مكبس ثوري سيساعد بشكل جذري بمرحلة ما قبل الإشتعال في نمط تشغيل محرك الإحتراق الداخلي، الأمر الذي سيساعد بشكل كبير على استخراج أحصنة أكثر.
هذه الرؤية الجديدة مختلفة بالكامل عما رسمته السكوديريا في العام الفائت مع المنتقل إلى صفوف مرسيدس لورينزو ساسي، الذي كان يعمل على إدخال تقنية الطباعة الثلاثية الابعاد الى قطع المحرك وتحديدًا المكابس، الامر الذي يهدف الى تقليص الوزن بشكل كبير من دون التأثير على متانة وقوة المكبس بحد ذاته، ولكن هذا المشروع تم الاستغناء عنه بشكلٍ كامل بسبب تعقيداته التقنية وعدم ملاءمة النتائج في المحاكاة مع الواقع.
هذا التوجه يعكس الفلسفة الداخلية في فيراري القائمة على عدم التعلق بفكرة لا يمكن تحقيقها.الخطوة الجديدة نحو تصميم ثوري لرأس المكبس تعد بمستقبل أفضل من ناحية استخراج قوة أكثر من محرك الاحتراق الداخلي، الأمر الذي يعتقد فرانكو أنه من الجوانب الاساسية بسر تفوق مرسيدس، والذي سيعطي لفيراري امكانية محو أفضلية السهام الفضية السحرية في خرائط اعدادات التجارب التأهيلية.
ما تم كشفه من قبل “توريني” و “فرانكو ناغنس” ممكن أن يبقى فقط في خانة التسريبات ولكن “جين هاس” بدوره أكد مزاعم الطرفين الأمر الذي يمكن أن يأخذه المتابع على أنه أمر سيحصل بدرجة كبيرة، حتى وإن كانت لعبة التسريبات الصحافية في ايطاليا تأخذ طابع التضخيم والمبالغات كل سنة حينما يرتبط الامر بتوقعات فيراري للموسم الجديد. ليس هناك طريقة نهائية لإثبات ما إذا كانت هذه التسريبات المقدمة صحيحة مئة في المئة، ولكن ما علينا ان نبني عليه أنّ الامور ايجابية جدًا داخل مارانيللو تحضيرًا للموسم الجديد.
في النهاية بتنا قاب قوسين او أدنى من كشف فيراري عن مقاتلتها الجديدة في 22 من شباط الجاري وأيام قليلة تفصلنا عن التجارب الشتوية في برشلونة الّتي ستختبر فيها فيراري كمثل بقية الفرق سيارتها الجديدة ووحدة الطاقة الحديثة بالكامل. فهل ستتمكن فيراري أخيرًا من تقديم وحدة طاقة تتغلب على وحدة طاقة مرسيدس بعد هيمنة اربعة أعوام، والسؤال الأبرز، هل ستتغلب فيراري على نقاط ضعفها الّتي باتت معلومة للجميع، وتحقق بطولة ننتظرها منذ عقدٍ من الزمن؟