تحقيق: مكلارين ـــ هوندا.. هل الحق على اليابانيين؟

كتب: المهندس بول جاموس

بعد علاقة ناجحة ومُثمرة دامت قرابة العشرين عامًا بين ثاني أعرق فرق بطولة العالم للفورمولا واحد “مكلارين” والصانع الالماني “مرسيدس”، تم وضع حد لهذه الشراكة مع نهاية موسم ٢٠١٤ لاسباب عديدة أبرزها تدهور العلاقة بين مدير الفريق حينها رون دينيس و”مرسيدس”.

رأى دينيس آنذاك أن إستمرار تزود “مكلارين” بمحركات “الزبائن” المقدمة من “مرسيدس” لن تكون كافية أبدًا لحصد الألقاب، مع تواجد الصانع الالماني كفريق كامل لديه طموحات الفوز بالبطولات العالمية، فما كان منه إلّا الاتفاق مع “هوندا” الصانع الياباني لتزويد فريقه البريطاني بالمحركات بشكل حصري. “هوندا” الشريك القديم ـ الجديد الذي عرفت معه “مكلارين” أعظم حقباتها على الاطلاق نهاية ثمانينيات وبداية تسعينيات القرن الماضي عادت الى ساحة البطولة من بعيد جدًا، بعد غياب مواسم كثيرة عن البطولة، وبحقبة الهايبرد الجديدة كليًا والعصرية ولكنها الأكثر تعقيدًا من الناحية التقنية.

سقف التوقعات كان مرتفعًا للغاية، فالجميع توقع أن تسير الأمور بشكل سلس نظرًا الى تاريخ الشراكة الحافل بالامجاد والالقاب، ولكن منذ اللحظات الاولى للتجارب التحضيرية لموسم ٢٠١٥، بدأت تظهر علامات مقلقة للغاية تمثلت بمشاكل كثيرة بوحدة الطاقة لم تستطع فيه “مكلارين” من إكمال برنامج التجارب الشتوية. والامر لم يختلف أبدًا مع تتابع جولات ذلك الموسم المشؤوم على “مكلارين” الذي يعد أسوأ مواسم الفريق على الاطلاق. مشاكل هوندا حينها كانت تتمثل بشكل جذري بتصميم وحدة الطاقة وأجزائها بالكامل، فبداية عانى الصانع الياباني باجهزة استعادة الطاقة الحركية (MGU k) والحرارية (MGU H) وعدم القدرة على إستخلاص الطاقة منها بشكل كافٍ، إضافة أيضًا الى عدم توفر حد أدنى من موثوقية القطع خاصة على صعيد التوربو وأجزائه (التوربينة والضاغط) حيث عانت “هوندا” كثيرًا بهذا المجال فكنا نرى في أغلب الجولات إنسحابات للفريق بسبب فشل عمل تلك القطع ناهيكم أيضًا عن مشكلة إستهلاك الوقود التي لم تنجح “هوندا” أبدًا في التأقلم مع حد الـ  ١٠٠كلغ بالساعة التي تسمح به القوانين.

تابعونا على وسائل التواصل
Twitter reddit Quora

إنتهى عام ٢٠١٥ بعد أن كسرت “مكلارين” الرقم القياسي بالعقوبات المتعلقة بوحدة الطاقة واجزائها، والجميع اعتبر أن ذلك الموسم كان تجريبّيًا، إن صح التعبير، ويجب اعطاء وقت اضافي لهوندا لكي تتأقلم أكثر مع القوانين الجديدة وتعالج مشاكلها التي لا تُعد ولا تُحصى.

إنطلاقًا من مآسي ٢٠١٥، شكل موسم ٢٠١٦ نقلة لابأس بها، فبعدما قررت “هوندا” اتباع نسق مختلف لتصميم وحدة الطاقة الخاصة بها بدأنا نرى تحسن وتقدم لا بأس فيه مع إستمرار لنفس مشاكل إفتقار الطاقة وقلة الموثوقية بشكل عام. موسم إضافي مر ولم تحقق لا “هوندا” ولا “مكلارين” أهدافهما المنشودة الّا وهي العودة الى طريق الانتصارات والالقاب، فبعد التقدم الملموس نسبيًا موسم ٢٠١٦ لم يخطر ببال أحد أن تعود الأمور الى نقطة الصفر مع “هوندا” التي غامرت من جديد بداية الموسم المُنصرم بتصميم مختلف تمامًا عن تصميم ٢٠١٦، وعادت دوامة الخيبات والفشل الذريع من جديد، بداية مع التجارب الشتوية لموسم ٢٠١٧ ومع توالي الجولات أيضًا، المشاكل ذاتها مع ضعف بالقوة وانعدام الموثوقية. كل ذلك يجري وصورة فريق “مكلارين” تتضرر أكثر وأكثر، فتراجع بشكل كبير إهتمام الرعاة فيه وبدأ الجميع يتساءل عن جدوى استمرار العلاقة مع “هوندا” التي بدورها “تبهدلت” كثيرًا كونها صانع عريق للسيارات وفشلها بالـ أف1 لعدة مواسم أثر بالتأكيد على صورة الشركة ومصداقيتها.

أسباب الفشل كثيرة جدًا، بداية لأن “هوندا” لم تنفتح أبدًا على جلب خبرات أجنبية خاصة أوروبية الى طاقمها لتطوير وحدة الطاقة، بل اعتمدت بشكل رئيسي على العقل الياباني فقط، وهذا بعالم الفورمولا واحد أكبر خطأ ممكن أن يرتكبه أي فريق أو صانع، لأن البطولة هي ساحة مفتوحة لتبادل الخبرات والتقنيات. بالمقابل إستمرت هوندا بعقلية “الكبرياء الياباني” ورفضت بشكل مطلق خاصة عامي ٢٠١٥ و٢٠١٦ أن تاتي الى بريطانيا موطن رياضة السيارات وتتساعد أكثر مع مكلارين بتطوير وتحديث وحدة الطاقة، إذ جرت العادة عند “هوندا” أن تختبر القطع باليابان ويتم شحنها الى مقر الفريق ببريطانيا وبعدها اذا ظهرت المشاكل ترسل القطع من جديد الى اليابان وهكذا دواليك، مضيعة للوقت وعدم كفاءة بالتطوير. يضاف إلى ذلك مشاكل كثيرة بين تجارب المحاكاة بالمصنع وعلى أرض الواقع بحيث شكلت الارتجاجات بالمحرك إحدى أكثر المعضلات لدى “هوندا”.

ومع تواجد فرناندو ألونسو في الفريق، تضاعفت الضغوط فهو سائق متعطش للفوز وللالقاب وعند تركه “فيراري” نهاية ٢٠١٤ وانتقاله لمكلارين صرح أكثر من مرة انه يؤمن بمشروع مكلارين ـ هوندا وبعودة الشراكة لايام الامجاد، وهذا ما لم يحصل أبدًا، فألونسو هدد أكثر من مرة مغادرة الفريق بعد الاداء الهزيل التي ظهرت فيه “هوندا” ووصلت الامور الى نقطة اللاعودة فبدأت الازمة تخرج من كواليس الفريق الى العلن بعد تصريحات فيها طابع التهديد لفسخ الشراكة بالكامل مع الصانع الياباني، وبدأ زاك بروان مدير الفريق الحالي يجري مفاوضات مع “مرسيدس” للتزود بمحركاتها الانجح بحقبة الهايبرد الحالية.

تداركت هوندا الوضع منتصف عام ٢٠١٧ وقررت أخيرًا أن تستعين بخبرات أجنبية كان أبرزها ايلمور صانع المحركات الشهير، مع دعم كامل من “ليبرتي ميديا” (مالكة حقوق الفورمولا واحد الجديدة) كون الاخيرة لا تريد أبدًا لصانع بحجم “هوندا” ترك البطولة التي لا تعيش أساسًا أفضل أيامها، وجولة بعد جولة تحسن الوضع عمّا كان عليه بالمنتصف الاول من الموسم، ولكن ذلك لم يكن كافٍ أبدًا باقناع ألونسو بتجديد عقده موسم اضافي مع “مكلارين”.

بعد مفاوضات كثيرة أستمرت أكثر من شهرين تقرر أخيرًا فسخ الشراكة بالكامل مع “هوندا” التي نصّت الاتفاقية أن تزود فريق “تورو روسو” بالمحركات وبالتالي تضمن بقائها بالفورمولا ١، وبالمقابل تتزود “مكلارين” بمحركات “رينو” التي إشترطت ان ينضم كارلوس ساينز سائق “تورو روسو” حينها الى صفوفها. بهذه الطريقة فضّلت”مكلارين” أن تُضحي بمزود حصري للمحركات  لها مقابل التجديد لالونسو، وتتعامل مع محركات “رينو” التي تعاني أيضًا مشاكل بالموثوقية.

ماذا بعد، وهل “فسخ الشراكة” أفضل للاثنين؟! بالنسبة لمكلارين التي تدمرت صورتها بشكل كبير بالمواسم الثلاثة الماضية وتراجعت الى أسفل ترتيب الفرق، قد يبدو القرار فيه إيجابيات كثيرة كون الفريق يريد أن يفعل أي شيء ليخرج من دوامة الفشل تلك، ويستعيد بريقه علمًا أن “مكلارين” تُصمم هياكل جيدة وما ينقصها هو وحدة طاقة تنافسية أكثر و”رينو” أفضل نوعًا من “هوندا” وقد تضع الفريق، لما لا، بموقع قريب من “رد بل” التي تتزود بدورها بمحركات الرينو.

إيجابية أخرى أن الفريق سيحتفظ بفرناندو ألونسو السائق الذي عودنا إستخراج كل قدرات السيارة وهو جاهز للمنافسة بشكل دائم على الالقاب إذ توفرت بين يديه السيارة الجيدة.

سلبيات القرار، فقدان مصنع بحجم “هوندا” حيث تشير المعطيات، وما كشفته الجولات الاخيرة من  ٢٠١٧، عن تقدم ملموس جدًا وتغيير بفلسفة ومقاربة الأمور لدى الصانع الياباني الذي حتمًا لن يبقى أبدًا بالشكل الذي ظهر فيه بالمواسم الثلاثة الماضية.

بالنسبة لهوندا المكاسب كثيرة والافادة أكثر برأيي الشخصي، كون المصنع سيستمر بتطوير وحدة الطاقة بعيدًا عن الضغط الاعلامي والضغط الذي يفرضه سائق بحجم ألونسو، التطوير مع “تورو روسو” قد يكون أسلس وأفضل ومُثمر أكثر كون الفريق ليس متوقع منه مثل ما هو متوقع من “مكلارين”. ولما لا قد تجد “هوندا” نفسها قادرة على تزويد فريق “رد بل” مستقبلاً، الذي يسعى الى محركات تعيده الى قمة المنافسة، وبشكل حصري له وليس كما هي الحال مع “رينو”.

بالنهاية ما نود أن نراه كعشاق لهذه البطولة يكمن بعودة فريق “مكلارين” الى سكة الإنتصارات والى المكان الطبيعي الذي تواجد فيه هذا الفريق طيلة تاريخه وهو المنافسة على الألقاب. وأن نرى مصنّع بحجم “هوندا” قادرا على منافسة “مرسيدس” و”فيراري” و”رينو” وأن نرى معركة حقيقية بين المصانع كما الحقبة الذهبية للفورمولا واحد وتنافس عمالقة صانعي السيارات مع بعضهم البعض. فهل نرى ذلك بالمستقبل القريب؟!

     

موقع ويلز لايف ستايل
Bookmark the permalink.